يرى محللون أن سيطرة قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) على مدينة الفاشر في غرب السودان تعمّق الانقسام داخل البلاد وتزيد المخاوف في القاهرة من انفلات الأوضاع على حدودها الجنوبية. فالتطور الجديد — كما يلاحظ مراقبون نقل عنهم موقع ميدل إيست مونيتور — لا يُعد مجرد تغيير ميداني، بل نقطة تحوّل في ميزان القوى داخل السودان، إذ يوسع نفوذ قوات الدعم السريع في الغرب، بينما يحتفظ الجيش السوداني بسلطته في الشرق، ما يجعل السودان منقسماً فعلياً إلى منطقتي نفوذ متقابلتين.
ينقل الموقع عن قناة "آر تي" الروسية أن سيطرة قوات حميدتي على الفاشر زادت من تدهور الوضع الإنساني وأضعفت فرص استعادة وحدة البلاد. وتؤكد مصادر أمنية أن انتشار قوات الدعم السريع قرب المثلث الحدودي بين السودان ومصر يمثل تهديداً مباشراً للأمن المصري، لأن تلك المنطقة قد تتحول إلى ممر للتهريب وحركة الجماعات المتطرفة القادمة من منطقة الساحل الإفريقي. هذا القلق لا ينبع فقط من الحسابات العسكرية، بل أيضاً من المخاوف السياسية، إذ يُحتمل أن يؤدي استمرار الانقسام إلى رسم واقع تقسيمي جديد في السودان، وهو ما تعتبره القاهرة خطاً أحمر.
يصف الخبراء هذا الوضع بـ"التحوّل الاستراتيجي"، مشيرين إلى أن سقوط الفاشر — التي كانت آخر مركز رئيسي لسلطة الحكومة في دارفور — يمثل ضربة رمزية ومعنوية قوية للجيش السوداني، لأنها كانت تربط بين الشرق والغرب وتشكل خط الدفاع الأخير عن بقاء الدولة موحّدة. ويشرح اللواء المصري محمد عبد الواحد أن الفاشر لم تكن مجرد قاعدة عسكرية، بل كانت محوراً سياسياً واقتصادياً يضمن تواصل مناطق السودان المختلفة.
في ضوء ذلك، يُرجّح أن القاهرة تتابع التطورات بحذر وتضع خطوطاً حمراء جديدة تجاه تحركات حميدتي، خصوصاً إذا اقتربت قواته من الحدود المصرية أو حاولت ترسيخ واقع انفصالي. فمصر تدرك أن انزلاق السودان نحو التقسيم سيخلق فراغاً أمنياً ضخماً على حدودها الجنوبية التي تمتد لأكثر من 1200 كيلومتر، في وقت تواجه فيه تحديات داخلية واقتصادية تجعلها أقل قدرة على تحمل ارتدادات فوضى جديدة في الجوار.
الخبراء يحذّرون أيضاً من أن اتساع نفوذ قوات الدعم السريع قد يفتح الباب أمام لاعبين إقليميين لاستغلال الانقسام. فوجود حميدتي قرب المثلث الحدودي يجعل السودان جزءاً من معادلات الصراع الإقليمي بين قوى عربية وأفريقية تسعى للسيطرة على طرق التجارة والموارد.
ورغم أن القاهرة تحاول الحفاظ على مسافة متوازنة في تعاطيها مع أطراف النزاع السوداني، إلا أن التطورات الأخيرة تدفعها لمراجعة سياستها، وربما لاتخاذ إجراءات دبلوماسية وأمنية أكثر تشدداً، خاصة إذا اقتربت المعارك من حدودها أو تهدّد تدفقات اللاجئين بالازدياد. فاستقرار السودان — في تقدير الاستراتيجيين المصريين — لم يعد شأناً سودانياً فقط، بل مسألة أمن قومي ترتبط مباشرة بقدرة مصر على تأمين مياه النيل ومواجهة أزمات اقتصادية متلاحقة.
القاهرة اليوم أمام معادلة دقيقة: فهي لا ترغب في دعم طرف قد يفاقم الحرب، ولا تستطيع في الوقت نفسه تجاهل التهديد الذي تفرضه قوات حميدتي المتنامية. ومع غياب أي تسوية سياسية واضحة، يبدو أن مصر تراقب الانقلاب في السودان كمن يشاهد حريقاً يقترب من بيته — عاجزة عن التدخل المباشر لكنها تدرك أن النيران إن تمددت فلن تتوقف عند حدودها.
بهذا الشكل، يكشف تقرير ميدل إيست مونيتور أن الفوضى السودانية لم تعد شأناً داخلياً، بل صدى لصراعات إقليمية تطال مصر نفسها، وتجبرها على التوازن بين الحذر والمخاوف، بين الأمن والاضطرار، في مواجهة جارٍ يتفكك على مرمى البصر.
https://www.middleeastmonitor.com/20251029-sudans-shifts-raise-alarm-in-egypt-how-cairo-monitors-the-coup-on-its-southern-border/


 
						
											 
 
					     
 
					     
									 
									 
									